فصل: تفسير الآية رقم (1):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآيات (88- 90):

القول في تأويل قوله تعالى: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ} [88- 90].
{لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ} يعني: قد أوتيت النعمة العظمى، التي كل نعمة وإن عظمت فهي إليها حقيرة، وهي القرآن العظيم. فعليك أن تستغني ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به من زخارف الدنيا وزينتها أصنافاً من الكفار متمنياً لها. فإنه مستحقر بالإضافة إلى ما أوتيته. وفي التعبير عما أوتوه بالمتاع إنباء عن وشك زوالها عنهم.
{وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أي: لعدم إيمانهم، المرجو بسببه تقوي ضعفاء المسلمين بهم: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي: تواضع لمن معك من فقراء المؤمنين وضعفائهم، وطب نفساً عن إيمان الأغنياء والأقوياء.
{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} أي: المنذر المظهر للعذاب لمن لم يؤمن.
{كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ} أي: مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين. أو إنذاراً مثل ما أنزلنا. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: المقتسمون أصحاب صالح عليه السلام، الذين تقاسموا بالله: {لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} فأخذتهم الصيحة، كما مر. فالاقتسام من القسم لا من القسمة.
وهذا التأويل اختاره ابن قتيبة.
وقوله تعالى:

.تفسير الآيات (91- 93):

القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [91- 93].
{الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} أي: أجزاء، جمع عضة يعني كفار مكة. قالوا: سحر. وقالوا: كهانة. وقالوا: أساطير الأولين. وهو مبتدأ خبره: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: من التقسيم فنجازيهم عليه. وجوَّز تعلق {كما} بقوله: {لَنَسْأَلَنَّهُمْ} أي: لنسألنهم أجمعين مثل ما أنزلنا. فيكون {كما} رأس آية والمقتسمون حينئذ: إما من تقدم، أو المشركون. ويعني بالإنزال عليهم إنزال الهداية التي أَبَوْها. وجوَّز جعل الموصول مفعولاً أول للنذير، أو لما دلَّ عليه من أنذر، أي: النذير. أو أنذر المعضين الذين يجزئون القرآن إلى سحر وشعر وأساطير، مثل ما أنزلنا على المقتسمين. وجوَّز جعل {كما} متعلقاً بقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ} أي: أنزلنا عليك كما أنزلنا على أهل الكتاب الذين جزؤوا القرآن إلى حق وباطل. حيث قالوا: قسم منه حق موافق لما عندنا. وقسم باطل لا يوافقه. أو القرآن هو مقروؤهم. أي: قسموا ما قرؤوا من كتبهم وحرفوه، فأقروا ببعضه وكذبوا ببعضه. والله أعلم.

.تفسير الآيات (94- 96):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [94- 96].
{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} أمر من الصدع بمعنى الإظهار والجهر، من انصداع الفجر. أو من صدع الزجاجة ونحوها وهو تفريق أجزائها. أي: افرق بين الحق والباطل: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} أي: الذين يرومون صدك عن التبليغ، فلا تبال بهم.
{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} أي: حفظناك من شرهم، فلا ينالك منهم ما يحذر. وهذا ضمان منه تعالى، له صلوات الله عليه؛ لينهض بالصدع نهضة من لا يهاب ولا يخشى. كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67].
{الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ} وصفهم بذلك، تسليةً له عليه الصلاة والسلام، وتهويناً للخطب عليه، بأنهم أصحاب تلك الجريمة العظمى، التي هي أكبر الكبائر، التي سيخذلون بسببها. كما قال: {فَسَوْفَ يَعْلَمُُونَ} أي: عاقبة أمرهم. وقد جوَّز في الموصول أن يكون صفة للمستهزئين ومنصوباً بإضمار فعل. ومرفوعاً بتقدير هم. وفي الآية وعيد شديد لمن جعل معه تعالى معبوداً آخر. وقد أشار كثير من المفسرين إلى أن قوله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} عنى به ما عجله من إهلاكهم. كما روى ابن إسحاق عن عروة: أن عظماء المستهزئين كانوا خمسة نفر، وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم: من بني أسد أبو زَمْعَة، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه، فقال: «اللهم أعم بصره، وأثكله ولده» ومن بني زهرة الأسود، ومن بني مخزوم الوليد بن المغيرة، ومن بني سهم العاص بن وائل، ومن خزاعة الحارث. فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء، أنزل الله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} إلى قوله: {فَسَوفَ يَعْلمُونَ}. قال ابن إسحاق عن عروة: إن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت، فقام وقام رسول الله إلى جنبه، فمر به الأسود، فأشار إلى بطنه فاستسقى بطنه فمات منه. ومر به الوليد فأشار إلى أثر جراح بأسفل كعب رجله كان أصابه قبل ذلك بسنتين فانتقض به فقتله. ومر به العاص بن وائل فأشار إلى أخمص قدمه، فخرج على حمار يريد الطائف، فربض على شبرقة فدخلت في أخمص قدمه. ومر به الحارث فأشار إلى رأسه فامتخط قيحاً فقتله. انتهى.
ومثله ما رواه ابن مسعود: قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصلي في ظل الكعبة، وناس من قريش وأبو جهل قد نحروا جزوراً في ناحية مكة، فبعثوا فجاؤوا بسلاها وطرحوه بين كتفيه وهو ساجد. فجاءت فاطمة فطرحته عنه، فلما انصرف قال: «اللهم! عليك بقريش وبأبي جهل وعتبة وشيبة والوليد بن عُتْبَة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط».
قال ابن مسعود رضي الله عنه: فلقد رأيتهم قتلى في قليب بدر.

.تفسير الآيات (97- 99):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [97- 99].
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} لما ذكر تعالى أن قومه يهزأون ويسفهون، أعلمه بما يعلمه سبحانه منه، من ضيق صدره وانقباضه بما يقولون؛ لأن الجبلة البشرية والمزاج الإنساني يقتضي ذلك. ثم أعلمه بما يزيل ضيق الصدر والحزن، وذلك أمره من التسبيح والتحميد والصلاة، كما قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة: 45]، وقال: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] ومعلوم أن في الإقبال على ما ذكر، استنزال الإمداد الرباني بالنصر والمعونة؛ لقوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153] و[الأنفال: 46]، وقوله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128].
وقد روي في شمائله صلوات الله عليه، أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، تأويلاً لما ذكر.
قال أبو السعود: وتحلية الجملة بالتأكيد؛ لإفادة تحقيق ما تضمنته من التسلية. وفي التعرض لعنوان الربوبية، مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام ما لا يخفى من إظهار اللطف به عليه الصلاة والسلام، والإشعار بعلة الحكم، أعني الأمر بالتسبيح والحمد. والمراد من {الساجدين} المصلين، من إطلاق الجزء على الكل. و{اليقين}: الموت، فإنه متيقن اللحوق بكل حيّ مخلوق. وإسناد الإتيان إليه؛ للإيذان بأنه متوجه إلى الحيِّ طالب للوصول إليه. والمعنى: دُمْ على العبادة ما دمت حياً. كقوله تعالى في سورة مريم: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} [مريم: 31].
وقيل: المراد بـ: {اليقين}: تعذيب هؤلاء وأن ينزل بهم ما وعده. ولا ريب أنه من المتيقن، إلا أن إرادة الموت منه أولى، يدلُّ له قوله تعالى إخباراً عن أهل النار: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: 43- 47]. وما في الصحيح عن أم العلاء امرأة من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على عثمان بن مظعون وقد مات، قالت أم العلاء: رحمة الله عليك أبا السائب! فشهادتي عليك: لقد أكرمك الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك أن الله أكرمه؟» فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله! فمن؟ فقال: «أما هو فقد جاءه اليقين، وإني لأرجو له الخير».
تنبيه:
قال الحافظ ابن كثير: يستدل بهذه الآية الكريمة وهي قوله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} على أن العبادة، كالصلاة ونحوها، واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتاً، كما في صحيح البخاري عن عِمْرَان بن حصين رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: «صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب». ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين: المعرفة. فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم. وهذا كفر وضلال وجهل. فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم، أعلم الناس بالله، وأعرافهم بحقوقه وصفاته، وما يستحق من التعظيم، وكانوا مع هذا أعبد الناس وأكثرهم مواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة. انتهى.

.سورة النحل:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [1].
{أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} تقرر في غير ما آية، أن المشركين كانوا يستعجلون ما وعدوا من قيام الساعة أو إهلاكهم، كما فعل يوم بدر، استهزاءً وتكذيباً بالوعد. فقيل لهم: {أَتَى أَمْرُ اللّهِ} أي: ما توعدونه مما ذكر. والتعبير عنه بـ: {أَمْرُ اللّهِ}؛ للتفخيم والتهويل. وللإيذان بأن تحققه في نفسه وإتيانه، منوط بحكمه النافذ وقضائه الغالب. وإتيانه عبارة عن دنوِّه واقترابه، على طريقة نظم المتوقع في سلك الواقع. أو عن إتيان مباديه القريبة، على نهج إسناد حال الأسباب إلى المسببات. والآية كقوله تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1]، وقوله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1]، وقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمّىً لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [العنكبوت: 53]. ثم إنه تعالى نزه نفسه عن شركهم به غيره، وعبادتهم معه ما سواه، من الأوثان والأنداد، الذي أفضى بهم إلى الاستهزاء والعناد، واعتقادهم أنها شفعاؤهم إذا جاء الميعاد.

.تفسير الآية رقم (2):

القول في تأويل قوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلائكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ} [2].
{يُنَزِّلُ الْمَلائكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ} رد لاستبعادهم النبوة، بأن ذلك سنة له تعالى. ولذا ذكر صيغة الاستقبال، كقوله تعالى: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِه} [غافر: 15]، وقوله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاس} [الحج: 75]. والروح هو الوحي، الذي من جملته القرآن؛ لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيْمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52]. والتعبير عنه بالروح على نهج الاستعارة. فإنه يحيي القلوب الميتة بالجهل. و{مِنْ أَمْرِهِ} بيان للروح، أو حال منه، أو صفة، أو متعلق بـ: {ينزل} و{من} للسببية. و{أَنْ أَنْذِرُواْ} بدل من الروح. أي: أخبروهم بالتوحيد والتقوى. فقوله: {فَاتَّقُونِ} من جملة المنذر به. أو هو خطاب للمستعجلين، على طريقة الالتفات، والفاء فصيحة، أي: إذا كانت سنته تعالى ذلك، فاتقون، بما ينافيه من الإشراك وفروعه من الاستعجال.
قال الزمخشري: ثم دل على وحدانيته وأنه لا إله إلا هو، بما ذكر، مما لا يقدر عليه غيره، من خلق السماوات والأرض، وخلق الإنسان وما يصلحه، وما لابد له منه من خلق البهائم لأكله وركوبه، وجر أثقاله وسائر حاجاته، وخلق ما لا يعلمون من أصناف خلائقه. ومثله متعال عن أن يشرك به غيره، بقوله سبحانه:

.تفسير الآيات (3- 6):

القول في تأويل قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِيْنَ تُرِيحُونَ وَحِيْنَ تَسْرَحُونَ} [3- 6].
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} أي: بالحكمة، كما تقدم: {تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ} أي: مهينة ضعيفة: {فَإِذَا هُوَ} بعد تكامله بشراً: {خَصِيمٌ مُّبِينٌ} أي: مخاصم لخالقه مجادل، يجحد وحدانيته ويحارب رسله. وهو إنما خلق ليكون عبداً لا ضداً.
{وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ} أي: لمصالحكم، وهي الأزواج الثمانية المفصلة في سورة الأنعام.
قال الزمخشري: وأكثر ما تقع على الإبل.
{فِيهَا دِفْءٌ} أي: ما يدفئ، أي: يسخن به من صوف أو وبر أو شعر، فيقي البرد {وَمَنَافِعُ} أي: من نسلها ودرِّها وركوب ظهرها: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} أي: زينة: {حِيْنَ تُرِيحُونَ} أي: تردونها من مراعيها إلى مراحها- بضم الميم- وهو مقرِّها في دور أهلها بالعشيِّ: {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} أي: تخرجونها بالغداة إلى المراعي.
قال الزمخشري: منَّ الله بالتجمل بها كما منَّ بالانتفاع بها؛ لأنه من أغراض أصحاب المواشي، بل هو من معاظمها؛ لأن الرعيان، إذا روحوها بالعشي، وسرحوها بالغداة، فزينت بإراحتها وتسريحها الأفنية، وتجاوب فيها الثغاء والرغاء، أنست أهلها وفرحت أربابها، وأجلتهم في عيون الناظرين إليها، وكسبتهم الجاه والحرمة عند الناس. ونحوه: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة} [النحل: 8]، {يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً} [الأعراف: 26].
فإن قلت: لِمَ قدمت الإراحة على التسريح؟
قلت: لأن الجمال في الإراحة أظهر، إذا أقبلت، ملأى البطون، حافلة الضروع، ثم أوت إلى الحظائر لأهلها. انتهى.
ثم أشار إلى فائدة جامعة للحاجة والزينة فقال: